نظرا لارتباط الفلسفة الأوروبية بأسماء الأشخاص، فقد بلغت عبقرية الأفراد وإبداعات الفلاسفة إلى حد أن أصبحت فلسفاتهم مذاهب تزداد ظهورا ورسوخا كلما تقدم الفكر والوعي الأوروبي، خاصة في عصر الذروة في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، والنصف الأول من القرن التاسع عشر. وقد كانت هذه المذاهب الفلسفية بديلا عن الأنساق القديمة التي مثلتها الكنيسة خاصة ثم نوعا ما وأرسطو طوال العصور الوسطى، وكانت الغطاء النظري الذي قدمه الوعي الأوروبي للواقع بعد عصر النهضة.

هذا وإن كان لكل مذهب فلسفي عناصره ومكوناته، نظرياته وأسسه، مناهجه وتطبيقاته مقدماته ونتائجه، كما إن كان لكل مذهب بنيته الثلاثية في الهدم والبناء والجانب الضمني المستتر فيه، أو الدافع إليه؛ فإنه من هذا الاعتبار فسنحاول الحديث عن أهم مكونات المذهب الفلسفي، ثم عن بنيته العامة، ثم عن كيفية توالد المذاهب الفلسفية، وأخيرا: بصفة عامة، عن أهم مراحل الفكر الأوروبي، قبل أن نتطرق لكل مذهب فلسفي على حدى.