لطالما حظي الأدب – شعره ونثره – بأهمية بالغة على مرِّ كل العصور و الأزمان،لذلك نجد جميع الأمم و الحضارات المختلفة عملت على توثيقه بجميع مضامينه وأشكاله، من أجل أن يكون لها مكانتها وتميزها بين الأمم الأخرى، فالأدب المغاربي – الذي أُعْتبر في كثير من الأحايين- بأنه أدب جامد مقلد للشرق أو للغرب، يخلو من روح الإبداع و التمير، نجده الآن يخرج من هذه البوتقة، ويُرسي لنفسه قواعد، ويضع مقوماته الجديدة،تكون له بمثابة أساسات للتجديد و التطور، فظهر نخبة من الشعراء حملوا لواء التجدد وخلعوا عن قصائدهم رداء التقليد، فأنتجوا شعر يرسي دعائم الهوية الثقافية الخاصة بكل مقوماتها على اختلافها و تنوعها، متجاوزين بذلك التجاذبات الخارجية من الشعرية المشرقية و الأوروبي.

وهذا ما أنتج إبداعات تحمل ميزات التفرد و الخصوصية من جهة ووظفوها في قوالب شعرية متميزة في بنياتها الداخلية وأشكالها الخارجية من جهة اخرى، وذلك من خلال إبداع لغة شعرية ملء " بالتخييل" و" التكثيف"، فأصبحت منفتحة على حركة الإبداع و منفلتة من القيود التي تتحكم في العملية الشعري، لذلك صار الاهتمام منصباً عن الصيغ التعبيرية الجديدة، والإيقاعات المتفردة، التي تعكس الهوية المغاربية وما تزخر به من تعددية واختلاف، وهذا ما أفضى بالضرورة إلى أنتاج قصائد لها طابعها الخاص، محملة بدلالات عميقة،وموشحه بلغة شعرية لها ما يميزها في كل المستويات فنياً وشكلياً.

هذه التطورات الشعرية الجديدة، أعطت بعدا حديثا للإيقاع في الشعرية المغاربية المعاصرة، حيث نجدها قد اهتمت باستخدامات التفعيلة في السطر الشعري، ووظفوا البحور الشعرية المتمازجة وغيرها الكثير من مظاهر التجديد، فكل هذه الإبداعات في مجال الإيقاع و الصوت والتفعيلة ، تعتبر كلها رموزا و مدلولات إيقاعية تُثبت الحركية التفاعلية للنص الشعري المغاربي مع مُتغيرات الكتابة الفنية والواقع المُعاش كما تجلت هذه الإبداعات في البنيات التركيبية عن طريق التلاعب بالبنى النحوية وتموضوعاتها المختلفة،فكان ذلك سببا مهما في دينامية النص الشعري المغاربي ورمزا أساسيا يرتكز عليه الوظيفة النحوية الجديدة،يجسد البُعد الحركي للبنية التركيبية .

كما ان حركة الحداثة التي طغت على الشعر المغاربي المعاصر، تمخضت عنها مفاهيم ومصطلحات جديد، تتميز بالمرونة الشديدة والتي بدورها تصبغ الدلالة بفكر هلامي يحمل صفات توالدية تختلف وتتباين حوله اللآراء،فهذه الميزة جعلت الشعر المغاربي المعاصر، يخضع للقرآءة و إعادة القرآءة من جديد، وفي كل مرة يجد المتلقي نفسه أمام نص جديد متولد من النص الاصلي.

كل هذه المقومات، تجسد في تشاكلها اسلوبية جديدة، اسس على منوالها نصية شعرية تحمل في ثناياها مرونة و حركية تعمل في فضاء من الابداع و التميز.